کد مطلب:369632 سه شنبه 3 اسفند 1395 آمار بازدید:329

الحلقة الرابعة
 كلام الهاشمی

فی البدء تحدّث الدكتور محمّد الهاشمی (مدیر قناة المستقلة) قائلاً:

نواصل فی حلقه الیوم ـ أیّها الأعزاء الكرام ـ مناقشة الحجج والآراء المختلفة، التی تبحث فی مدى صحة أو بطلان الروایات التی یقول بها علماء الشیعة، عن تعرض السیدة الزهراء (رضی الله عنها) لعدوان أمر به أبو بكر الصدیق ونفذه عمر بن الخطاب (رضی الله عنهما)، وأدّى إلى كسر ضلعها وإسقاط جنینها، فضلاً عن حرق دارها.

هذه مناظرة تهدف إلى قراءة التأریخ الإسلامی فی عصوره الأولى، مناظرة تشجّع على البحث الحرّ الموضوعی والنقد الجریء، وتستلهم تجارب الأمم الأوروبیة فی نقد تراثها الدینی بجرأة وعقلانیة، ونحاول من خلال الحوار الحر الصریح ترویج ثقافة التسامح والسلام والحریّة فی المجتمعات العربیة والإسلامیّة، ومواجهة الخطاب الطائفی المتعصّب، الذی یبرّر العنف والكراهیة والإقصاء.

ضیوفی فی هذه الحلقة، هم كلّ من: السیّد حسن الحسینی، من جمعیة (الآل والأصحاب) فی البحرین، والسیاسی العراقی الشیخ محمّد الخزاعی، والدكتور محمد مصطفى (أبو شوارب) رئیس قسم اللغة العربیة بكلیة التربیة فی جامعة الإسكندریة، وآیة الله الشیخ محمد على الجناحی من علماء الشیعة فی العراق.

فی حلقة هذا الیوم، سنسعى لتعمیق النقاش حول حادثة الاعتداء على بیت السیّدة فاطمة الزهراء (رضی الله عنها)، إلى أنْ نصل إلى الرأی النهائی لكلّ ضیف من ضیوف المناظرة، بعد ذلك سننتقل ـ إنْ شاء الله تعالى ـ لمناقشة موضوع مطالبة الزهراء (رضی الله عنها)، والتی یتحدّث عنها الشیعة، بمیراثها فی فدك، وموقفها من بیعة أبی بكر الصدیق خلیفة للمسلمین.

أیّها الكرام، الذین لم یواكبوا منكم الحلقات السابقة من المناظرة، أعلمكم أّن الأخوة الشیعة المشاركین فی المناظرة، أی: الشیخ محمّد الخزاعی والشیخ الجناحی، مازالا یبحثان عن دلیل واحد من خطب الإمام علی وأحادیثه فی نهج البلاغة، یتطرّق فیها الإمام لحادثة الهجوم على زوجته، وعن مصدر سنّی واحد موثق وصحیح یثبت واقعة الهجوم بأركانها الكبرى، حرق البیت وكسر الضلع وإسقاط الجنین([17]).

الإشكالات على استشهاد الشیعة بكتاب الإمام علی إلى أبی بكر

لقد عرض آیة الله الجناحی والشیخ محمّد الخزاعی یوم أمس رسالة منسوبة إلى الإمام علی(رضی الله عنه)، قالا عنها إنّها فی نهج البلاغة، وهی رسالة موجهة من الإمام علی(علیه السلام) إلى الخلیفة الأول، بعدما ورده اغتصاب الخلیفة الأول لفدك، وقد تبیّن أنّ الرسالة لیست من نهج البلاغة.

الرسالةـ لمن لم یسمعها منكم ـ كانت تتضمن الهجوم العنیف على أبی بكر الصدیق وعمر بن الخطاب (رضی الله عنهما)، وتعتبرهما من أهل الضلالة، وتتهّمهما بأن ما یحرّكهما هو أحقاد بدر وثارات أحد، بناءً على أنّ الخلیفة الراشد الأوّل، صاحب النبیّ (صلّى الله علیه وسلّم) فی الغار، والخلیفة الراشد الثانی، فاتح العراق وفارس والشام ومصر وبیت المقدس ولیبیا وأنحاء كثیرة من آسیا الوسطى، كانا یحاولان الثأر لقتلى المشركین فی بدر وأحد، وأنّهما لم یكونا فی صفّ النبیّ (صلّى الله علیه وسلّم) آنذاك.

هذه الرسالة كانت مفاجأة الحلقة الثالثة، وقد فنّد الدكتور (أبو شوارب) هذه الرسالة باعتبارها منتحلة زائفة باطلة.

كما أنه لیس فی الرسالة إشارة أو تلمیح إلى أركان الهجوم، فلم تتضمن إشارة واحدة، بالتصریح أو التلمیح، إلى واقعة الهجوم على السیّدة فاطمة، بأركانها الكبرى: حرق البیت وكسر الضلع وإسقاط الجنین.

وكنت وعدت الشیخ محمّد الخزاعی والسادة المشاهدین بأنْ أعرض علیهم فی حلقة الیوم ما ورد فی كتاب منشور فی مركز الأبحاث العقائدیة، التابع لسماحة المرجع الأعلى لغالبیة الشیعة فی هذا العصر آیة الله العظمى السیّد علی السیستانی، حول سبب غیاب نص واضح یدلّ على الهجوم، فقد ذكر فی هذا الكتاب أسباب عدم احتجاج الإمام علی وعدم ذكره للهجوم على زوجته وكسر ضلعها وإسقاط جنینها، اسم الكتاب هو: (مأساة الزهراء(علیها السلام)) لمؤلّفه السیّد جعفر مرتضى العاملی، وقد ورد فیه ـ صفحة (204) ما یلی: “أمّا بالنسبة لتساؤل البعض عن السبب فی عدم استفادة علی(علیه السلام) من هذا الأمر فی حجاجه واحتجاجه مع ما فیه من حجّة قویة وهامة علیهم، وإثارة عاطفیة من جمیع الجهات ضدهم، على حد تعبیر المستدل، فأننا نقول:

1ـ لم یكن هذا الأمر خافیاً على الناس لیذكره علی(علیه السلام) لهم ویخبرهم به، ولیس بالضرورة استیعاب جمیع الوقائع للاحتجاج بمضمونها، لاسیما مع وضوحها وظهورها.

2ـ لم یكن الموقف یتحمل إثارة العواطف، بل كان لا بدّ من المداراة وتهدئة العواطف الثائرة، حتّى لا یبلغ السیل الزّبى، ویقع فی مخالفة أمر رسول الله(ص) بالسكوت، وعدم المواجهة المسلّحة مع الخلفاء الراشدین([18])؛ لما فی ذلك من إضعاف للدین، وتهیئة لأجواء الردّة عن الإسلام، كما صرّح به أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی نهج البلاغة وغیره”.

یقول السید العاملی ـ جواباً على سؤالكم عن السبب فی عدم ذكر الإمام علی لمسألة الهجوم، مع أنّكم [أی الشیعة] قد ذكرتموه: “قد تقدّم أنه(علیه السلام) قد ذكر ذلك حین لم یكن ثمة ما یمنع من ذكره، ولكن بطریقة هادئة، لا تجعل الخلافة خلافاً على أمر شخصی، یمكن الاعتذار منه والعفو عنه.

3ـ إنّ مخالفتهم، أی أبی بكر وعمر، لأمر الله ولأمر رسول الله(ص) هی الأهم، والأولى بالتذكیر بها، لأنها هی المعیار والمقیاس للحق وللباطل، أما الجراح الشخصیة والآلام الروحیة فیمكن حلّ عقدتها ببعض من الكلام المعسول منهم، وبالخضوع الظاهری بإظهار العذر والندم، بحیث یظهر للناس أنه لیس ثمّة مبرّر للإصرار على إدانتهم، وما ذكر من محاولة استرضائهما من قبل الأصحاب قبل وفاتها، خیر دلیل على ذلك”([19]).

ویضیف السیّد جعفر مرتضى العاملی كذلك: “وقد تساءل المستدّل بكلام لكاشف الغطاء، عن السبب فی عدم ذكرها(علیها السلام) ما جرى علیها ـ من ضرب وإسقاط الجنین ـ لأبی بكر وعمر، حینما جاءا إلیها لیسترضیاها”.

لماذا أشارت فاطمة إلى أخذ فدك ولم تشر إلى الهجوم ولا إلى غصب الخلافة؟ ولماذا لم تحدّث أبا بكر وعمر عن مسألة كسر الضلع وإسقاط الجنین حینما جاءا إلیها لیسترضیاها؟

 یقول السیّد العاملی: “نقول فی الجواب:

1ـ إنّها لم تذكر أیضاً لهما حین جاءا غصب فدك، ولا غصب الخلافة، اللذین أشار إلیهما المستدّل فی سؤاله، وهو نفسه یعتبر غصب الخلافة أعظم من أیّ جریمة”([20]).

  إذن، هی لم تتكلّم، لا فی هذه [یقصد فدك]، ولا فی غصب الخلافة، طبعاً بإمكان أحد أن یستدل، ویقول: إذن، هی لم تعتبر غصب الخلافة غصباً! وأضاف السیّد العاملی:

“2ـ إنّ ذكر هذا الأمر لهما لا بدّ أنْ یكون له غرض وداع، ولم یكن غرضها آنئذ یتعلّق بالذكر نفسه، بل أرادت إقامة الحجّة علیهما بانتزاع إقرار منهما بما سمعاه من أبیها، فرفضت أنْ تكلّمهما قبل هذا الإقرار، ثمّ سجلت الموقف الحاسم والدائم لها بإدانتهما على مرّ الأعصار والأزمان، ولم تفسح لهما المجال لطرح أیة قضیة أخرى على الإطلاق، ولم تكن جلسة حساب أو عتاب، أو تعداد لما فعلاه معها؛ لأن ذلك لن یجدی شیئاً، فقد یعتذران عن ذلك بأنّها كانت فلتة، فرضتها ظروف الهیجان والغضب غیر المسؤول، فلم تعطهما(علیها السلام) الفرصة لذلك، وهذا من بالغ الحكمة، وصواب الرأی منها(علیها السلام). ولأجل ذلك، نجدها(علیها السلام) تكتفی بإجمال الأمور، وتعرض عن تفاصیلها، فهی تقول: اللهمّ اشهد أنّهما آذیانی”([21]).

مشاهدینا الكرام: أنا أضع هذه المعطیات بین أیدیكم، فالسیّدة فاطمة لم تذكر ما یدعى أنّه حصل لها فی حجاجها مع من؟ مع المتهمین بأنّهم نفّذوا هذه الجریمة بحقّها، وزوجها لم یذكر هذا على الإطلاق لا فی نهج البلاغة([22]) ولا فی غیره، والإخوان یقولون: لم یذكره لأنّه كان مشغولاً بأمر الأمّة، ولأنّه كان یرى أنّ القول لا ینفع، فهناك أولویات أكبر من شؤونه الشخصیة.

أنتم فكروا وقولوا لی: هل هذا معقول أو غیر معقول؟ إذا كانت المرأة نفسها (رضی الله عنها وأعلى قدرها فی علییّن) لم تذكر الموضوع، وزوجها لم یذكره، والعلماء لم یذكروه، فنحن على أیّ شیء نتناقش؟([23]).

أضع هذه المعطیات بین یدی الضیوف المشاركین فی المناظرة، بهدف تعمیق الحوار وإثرائه، ونذكر ـ رغم كلّ هذا الكلام ـ أن ما یهمنا فی هذا البرنامج، هو بذل كل جهد ممكن لمعرفة الحقیقة، وإتاحة الفرصة لوجهات النظر المختلفة حول الموضوع، لتُعرَض بوضوح وصراحة، آملین أن یؤدی البحث الموضوعی العلمی إلى المساهمة فی تحریر العقل العربی من الخرافة والجمود، ومحاصرة خطاب الثأر والكراهیة والتعصب، وأن نساهم جمیعاً فی ترویج ثقافة الحریة والتسامح والتعددیة فی المجتمعات العربیة، حیاكم الله جمیعاً وحیا الله السادة الضیوف الكرام([24]).

تعریف وترحیب

مشاهدینا الكرام: بالإضافة لضیوفی الكرام، هناك الیوم ضیف شرف الحلقة، وهو الدكتور السیّد محمّد الحسینی القزوینی، وهو أُستاذٌ فی الحوزة العلمیة فی قم، وهو رئیس قسم الحدیث، وعضو الهیئة العلمیة فی جامعة آل البیت العالمیة، وحائزٌ على درجة الاجتهاد من مراجع التقلید، إذن عنده الأهلیة الكاملة للحدیث عن هذه الموضوعات.

تلقیت اتصالاً من الأخ الدكتور السیّد محمّد الحسینی القزوینی الیوم وقبل ساعتین من بدایة البرنامج حیث سبقنا بساعتین لیشارك معنا الیوم ببعض المداخلات فی قسم من حلقات الحوار الصریح، وأعلمنا أن أحد المراجع طلب منه المداخلة والمشاركة فی البرنامج، وتوضیح بعض النقاط الإضافیة.

وقد رحبّتُ بالسیّد الدكتور القزوینی، والذی هو أیضاً ینتسب لفاطمة الزهراء ولعلّی بن أبی طالب(ص) وقلت له: أعطیك الیوم تقدیراً لك وتقدیراً لأشقائنا الذین أعزُّهم فی إیران، والذین أحاول من خلال هذه الحوارات الحرّة، أنْ أساهمَ فی توطید العلاقة بین العرب والإیرانیین على أسس صحیحة متینة ولیس على أسس النفاق والكذب والتقیة([25]).

وأنتم فی إیران أعزّاء علیّ، وأعزّاء على قناة المستقلة، ولذلك فسنعتبرك الیوم ضیف الشرف ونعطیك (20) دقیقة فی البدایة، لتتحدّث فیها عن الموضوع، وهی مدّة أطول من أی مدة أخذها أحدٌ من ضیوف الحلقات السابقة، ثمّ نعطیك عشر دقائق إضافیة فی ظلّ تعلیق الشیخ الخزاعی والأخ (أبو شوارب) والأخ الحسینی على حدیثك، ثمّ نرجع لضیوفنا هنا فی الاستودیو، ثم لمداخلات الأخ النجفی.

 والیوم سأحاول واجتهد ـ وحتى لو أضفنا نصف ساعة إلى وقت البرنامج الأصلی ـ حتى نأخذ بعض المداخلات من المشاهدین، أو على الأقل، نذكر أسماء الذین أرسلوا رسائلَ إلى البرنامج حتّى یعرفوا ویطمئنوا أنّ رسائلهم قد وصلت، وعندی رسائل كثیرة بالإیمیل أو بالفاكس من المشاهدین، فإلى قم، وإلى جمهوریة إیران الإسلامیة، وأحیی وأسلّم على الدكتور السیّد محمّد القزوینی، السلام علیكم أخی ورحمة الله وبركاته.




مداخلتنا الأولى فی المناظرة

السید القزوینی: السلام علیكم أخی فضیلة الدكتور محمّد الهاشمی، وعلى الأخوة الأعزاء الموجودین معك، ورحمة الله وبركاته.

الهاشمی: شیخی السید القزوینی، رعاك الله وحفظك، أمامی هنا ساعة فی غرفة البث المباشر، فسأحسب من الآن وأعطیك (20) دقیقة كاملة، كما وعدتك، فتوكل على الله، ونحن ـ ضیوفی وأنا والمشاهدین الكرام ـ منصتون لك:

السید القزوینی: أعوذ بالله من الشیطان الرجیم، بسم الله الرحمن الرحیم، وبه نستعین، وهو خیر ناصر ومعین، الحمد لله، والصلاة على رسول الله وعلى آله الأطهار.

أولاً: أعتذر سلفاً عما قد یرد فی كلامی من بعض الأخطاء اللّغویة، والناشئة من عدم طلاقتی التامة فی التحدث باللغة العربیة؛ لكونها لیست لغتی الأم، رغم عشقی الشدید لها، فهی لغة أجدادی.

وثانیاً: أرید أنْ أوجه بعض الانتقادات إلى قناة المستقلة، وأرجو من الأخ الكریم، الدكتور محمد الهاشمی، أن یتلقاها بصدر رحب، عملاً بقول الإمام الصادق(علیه السلام): “أحبُّ إخوانی إلیّ من أهدى إلی عیوبی”([26]).

الهاشمی [مقاطعاً]: إنّی وعدتك بـعشرین دقیقة للحدیث فی البرنامج، وقد تحدثت معك نصف ساعة على الهاتف، وقد كان بوسعك أنْ تبلغنی هذه الملاحظات على الهاتف، هذا أولاً، وثانیاً: أنا مستعد، وأتحملها منك ومن خلال البث المباشر، ولكن بعد أنْ تكمل الحدیث فی صلب الموضوع.

لماذا یكون جزاء الإحسان بغیره، لماذا لا نكون على أجمل الأخلاق([27])، أنا أُكرمُك، وأحییك أجمل تحیة، وأعطیك نصف ساعة بأكملها، فتكون مجازاتی أن تبدأ بانتقاد القناة! التی تتیح لك الحدیث مع خمسین ملیون عربی، یا حبیبی وعزیزی وأخی، انتقدنی على رقم هاتفی الجوّال، والذی تعرفه، إذن تحدّث، ولك نصف ساعة من الوقت([28]).

ابدأ فی الموضوع، رضی الله عنك، ورفع قدرك، وأعزك، وملأ قلبك بالسرور، أنت وكلّ الإیرانیین.

استشهاد الزهراء وإقامة العزاء لیست من مستجدات الشیعة

السیّد القزوینی: أمّا بالنسبة إلى قضیة الظلم الذی تعرّضت له السیدة الصدیقة فاطمة الزهراء(علیها السلام) ومسألة الهجوم على بیتها، ومن ثمّ استشهادها، والتی یتم ـ ومنذ عدّة لیالٍ ـ طرحها فی قناتكم، فأقول: إنّ هذه القضیة ـ أیها الأخوة الأعزاءـ هی لیست ولیدة الیوم، بالنسبة لأتباع مذهب أهل البیت(علیه السلام)، فهی لیست من مستجدّات المذهب، ولا هی من اختراع المتأخرین من أتباعه، بل هی ـ بالنسبة لهم ـ قضیة عمیقة الجذور، فهم یعتقدون أنّ الصدّیقة الزهراء(علیها السلام)، وبسبب ما لاقت من الأذى فی حیاتها، وخصوصاً بعد وفاة أبیها(ص)، قد ماتت مظلومة شهیدة، ولهذا تراهم، ومنذ ذلك الحین وإلى یوم الناس هذا، یقیمون مجالس العزاء فی ذكرى استشهادها فی مساجدهم وحسینیاتهم، تخلیداً لذكراها وتعظیماً لها، كیف لا، وهی بضعة النبی(ص) وزوج الوصی، وأم الأئمة الأطهار(علیهم السلام)، بل “أم أبیها”، فهذا هو هدفهم من إقامة تلك المجالس، ولیس سبّ الصحابة أو غیرهم، أو الإساءة إلیهم، كما قد یتصور بعضٌ، وإذا كان هناك من یشكك بهذا الكلام، فأنا أدعوه إلى مشاهدة القنوات التلفزیونیة الإیرانیة أو غیر الإیرانیة، والتی تبثّ بین الحین والآخر صوراً لبعض تلك المجالس، أو الحضور إلیها بنفسه ـ إذا تسنّى له ذلك ـ لاسیّما تلك التی تقام فی بیت مرشد الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، والذی هو أحد مراجع الدین الشیعة، لیطلع بنفسه على طبیعة تلك المجالس، وما یتم طرحه فیها من قضایا.

ما ورد فی نهج البلاغة یدل على ما لحق بها من ظلم وأذى

أمّا بخصوص ما ذكره الدكتور الهاشمی، وبعض الأخوة الأعزاء المشاركین فی الحوار، حول قضیة مظلومیّة السیدة الصدیقة الزهراء(علیها السلام)، وأنه لم یرد عن الإمام علی(علیه السلام) ما یدلّ على ذلك، سواء فی كتاب نهج البلاغة أو فی غیره، فسأقرأ علیهم ما ورد فی نهج البلاغة ـ بمختلف طبعاته ـ بهذا الخصوص:

من كلام له(علیه السلام) عند دفن سیدة النساء فاطمة(علیها السلام): “السلام علیك یا رسول الله، عنّی، وعن ابنتك النازلة فی جوارك، والسریعة اللحاق بك، قلّ یا رسول الله عن صفیّتك صبری، ورقّ عنها تجلّدی، إلا أن لی فی التأسّی بعظیم فرقتك، وفادح مصیبتك موضع تعزّ. فلقد وسدتّك فی ملحودة قبرك، وفاضت بین نحری وصدری نفسك، إنّا لله وإنّا إلیه راجعون. فلقد استُرجعت الودیعة، وأخذت الرهینة، أما حزنی فسرمد، وأما لیلی فمسهّد، إلى أنْ یختار الله لی دارك التی أنت بها مقیم. وستنبئك ابنتك بتضافر أمّتك على هضمها([29])، فأحفها السؤال واستخبرها الحال، هذا ولم یطل العهد، ولم یخل منك الذكر، والسلام علیكما سلام مودع لا قالٍ ولا سئم، فإن أنصرفُ فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرین”([30]).

كما ورد هذا الكلام أیضاً ـ مع قلیل من الاختلاف ـ عن الإمام الحسین(علیه السلام)، عن أبیه أمیر المؤمنین(علیه السلام)، حیث ذكره الكلینی فی كتاب (الكافی)، ومحمد بن جریر الطبری فی (دلائل الإمامة)، والشیخ المفید فی(الأمالی)([31]).

ما ورد فی كتب أهل السنة حول ما جرى على السیدة الزهراء:

هناك مسألة مهمة، لا بدّ من الإشارة إلیها، أطلب من الأخوة الأعزاء المشاركین فی الحوار والمشاهدین الكرام الالتفات إلیها، ألا وهی: أنّ ما جرى على السیدة فاطمة الزهراء(علیها السلام)، لم یقتصر ذكره على المصادر الشیعیة فقط، بل ذكرته بعض مصادر أهل السنّة أیضاً، ومنها على سبیل المثال لا الحصر:

1 ـ روایة الجوینی التی تدل على كسر الضلع وإسقاط الجنین

فقد ذكرها الجوینی الشافعی المتوفى سنة (722) للهجرة، وهو أستاذ الذهبی ـ الذی هو من أركان علم الرجال لدى أهل السنّة ـ والذی یقول بحق أستاذه الجوینی: “الإمام، المحدث، الأوحد، الأكمل، فخر الإسلام”([32]).

ینقل الشیخ إبراهیم بن محمّد بن مؤید الجوینی فی كتابه (فرائد السمطین)، روایة عن رسول الله(ص): أنّه لما رأى فاطمة وقد دخلت بیته، قال: “لمّا رأیتها ذكرتُ ما یُصنع بها بعدی، كأنّی بها قد دخل الذلّ بیتها، وانتُهكت حرمتها، وغُصب حقّها، ومُنعت إرثها، وكُسر جنبها، وأُسقط جنینُها، وهی تنادی یا محمّداه فلا تجاب، وتستغیث فلا تغاث، فتكون أول من یلحقنی من أهل بیتی، فتقدِمُ علیّ محزونةً مغمومةً مهمومةً مغصوبةً مقتولةً”([33]).

وقد وردت هذه الروایة أیضاً فی بعض مصادر شیعة آل البیت(علیهم السلام)، مثل كتاب (الأمالی) للصدوق، وكتاب (سلیم بن قیس) أیضاً([34]).

2 ـ كلام ابن تیمیة حول قضیة الهجوم على بیت السیدة الزهراء(علیها السلام)([35]):

یقول ابن تیمیة فی كتاب (منهاج السنّة) معلّلاً هجوم عمر على بیت الصدیقة الزهراء: “أنّه، (أی عمر بن الخطاب) كبسَ البیتَ؛ لینظرَ هل فیه شیءٌ من مال الله لكی یقسمه، وأن یعطیه لمستحقه([36])”([37]).

إذن، فقضیة الهجوم على بیت السیدة فاطمة الزهراء(علیها السلام) ثابتة، بحیث لم یتمكن حتى ابن تیمیة الحرّانی إمام الفرقة الوهابیة من إنكارها.

3 ـ روایة الطبری

روى الطبری فی تاریخه، بإسناده عن زیاد بن كلیب، قال: “أتى عمر بن الخطاب منزل علیٍّ، وفیه طلحة والزبیر ورجال من المهاجرین، فقال: واللّه لأحرقنّ علیكم أو لتخرجنّ إلى البیعة، فخرج علیه الزبیر مصلتاً بالسیف، وعثر فسقط السیف من یده فوثبوا علیه فأخذوه”([38]).

وقد أشكل كلّ من فضیلة الأخ أبو شوارب وفضیلة الأخ الحسینی ـ فی اللیلة الماضیةـ على هذه الروایة من ناحیة السند، وإنّه یوجد فی سندها ابن حمید وهو كذّاب، وهذا غیر صحیح، فقد وثَّقه غیر واحد من أهل هذا الفن.  

فقد ورد فی كتاب (الجرح والتعدیل): “إنّه ثقة، لیس به بأس، وإنّه راو كیّس...” وإن یحیى بن معین قال عنه: “ابن حمید ثقة، وهذه الأحادیث التی یحدّث بها لیس هو من قبله، إنما من قبل الشیوخ الذین یحدث عنهم”([39]).

التعارض فی التوثیق والتضعیف یشمل جمیع رواة أهل السنة

وأودّ الإشارة هنا إلى أنّ من لدیه معرفة بعلم الرجال عند أهل السنّة، یعلم أنّه ما من راوٍ إلا وقد ورد فیه تضعیف حتّى من ذكرت وثاقتهم، فإذا كان الأساس هو أنْ نترك كلّ راو قد ورد فیه تضعیف، فیجب إذن أن نترك محمد بن إسماعیل البخاری صاحب الصحیح، حیث تركه أبو حاتم الرازی وأبو زرعة الرازی، وهما من أعمدة الجرح التعدیل عند أهل السنّة([40]).

أقوال أخرى لعلماء أهل السنة تدل على الهجوم

نقل الشهرستانی ـ وهو من أعلام القرن السادس الهجری ـ عن النظّام المعتزلی قوله: “إنّ عمر ضرب بطن فاطمة یوم البیعة حتى ألقت الجنین من بطنها، وكان یصیح أحرقوا دارها بمن فیها، وما كان فی الدار غیر علی وفاطمة والحسن والحسین([41])”([42]).

وقد ذكر قصّة تهدید عمر بإحراق بیت الصدیقة الطاهرة فاطمة(علیها السلام) بمن فیه ابن أبی شیبة بسند صحیح فی كتابه (المصنّف)([43])، كما ذكر تهدید عمر وقصّة الهجوم العدید من علماء أهل السنّة فی مصنفاتهم، منهم من ذكرها ببعض تفاصیلها ومنهم من اكتفى بالإشارة إلیها فقط([44]).

شواهد على وجود خلافات كثیرة بین الصحابة

وأودّ هنا الإشارة إلى مسألة مهمّة؛ وهی أنّ وجود الخلافات بین الصحابة هی مسألة ثابتة، بغض النظر عن قضیّة الخلاف بین السیّدة فاطمة(علیها السلام) والخلیفة الأوّل والثانی، فكیف یمكن لنا أنْ نغضّ النظر عن قضیة مقتل الخلیفة الثالث عثمان بن عفان على ید الصحابة أنفسهم، والمنع من دفنه فی مقابر المسلمین بحیث دفن فی مقابر الیهود([45])؟ ولا أدری ماذا سیفعل الأخوة المحاورون الأعزاء وغیرهم ـ ممن كذّبوا قضیة السیدة الزهراء وما جرى علیها ـ ماذا سیفعلون مع كلّ هذا، أو مع قضیّة حرب الجمل وحرب صفّین حیث قتل فیهما أكثر من مائة ألف من المسلمین؟

الدعوة إلى الوحدة وعدم طرح الأمور بطریقة مثیرة للخلاف

إننا حینما نذكر مثل هذه القضایا، والتی هی قضایا تاریخیة ثابتة، فإنّنا لا نهدف من وراء ذلك الإساءةَ إلى الصحابة الكرام أو إلى أیّ من إخواننا المسلمین ـ كما یروّج البعض ـ بل إنّ هدفنا هو إیصال الحقائق إلى من یجب أنْ تصل إلیه من إخواننا فی الدین والإنسانیة، لیستند فی انتمائه إلى الإسلام إلى أرضیة صلبة صحیحة، یتعاضد فیها العقل والنقل مع الفطرة الإلهیة والإنسانیة التی فطر الله الناس علیها، والبعیدة كلّ البعد عن كلّ معانی الجهل والتعصّب، ومن الواضح أنّ مثل هذا الهدف لا یمكن الوصول إلیه إلاّ عبر الحوار والجدال بالتی هی أحسن، وهو منطق القرآن، كما یقول تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ}([46])، وخلُق الأنبیاء والأوصیاء، كما یقول سید الأوصیاء علی(علیه السلام): “إنّی أكره لكم أنْ تكونوا سبّابین”([47]).

ما قاله المجلسی لا یمثل رأی الشیعة

وأمّا بالنسبة إلى ما نقله الأخ الدكتور محمد مصطفى أبو شوارب ([48]) من كتاب (جلاء العیون) للمجلسی، فنقول: إنّ ما ذكره العلامة المجلسی، هو تعبیر عن رأیه فی تلك المسألة، فی ذلك الحین ـ أی قبل عدّة قرون ـ وهو لیس ملزماً للشیعة، خصوصاً وأنهم یقولون بالاجتهاد([49])، وكان الأجدر بالأخ (أبو شوارب) أن یرجع ـ فضلاً عن هذه العبارة ـ إلى آراء وفتاوى مراجع وعلماء شیعة أهل البیت، فهم وعلى الرغم مما یسوقونه من أدلّة عقلیة ونقلیة تثبت بما لا یقبل الشك مظلومیة آل بیت النبیّ، ومنهم ابنته الصدیقة الطاهرة(علیها السلام) وأحقیتهم فی خلافته، فهم لا یسبّون ولا یشتمون أحداً، لا من الصحابة ولا من غیرهم، إلاّ إذا كان تبیان الحقائق ـ مهما كانت مریرة ـ والتصدی للمتاجرین الذین یقتاتون على تباغض المسلمین وتفرقهم یعدّ ـ من وجهة نظر بعض ـ سبّاً وشتماً فهذا أمر آخر([50]).

استغراب الهاشمی من طرحنا لهذه الأمور

الهاشمی: أنا الیوم، حفظك الله ورعاك، لا أستطیع أنْ أقول بصراحة أنّی أشكرك على هذا الطرح؛ إنّنی فی الحقیقة مستغرب من كثیر مما قلته، ولكن أقول: الحمد لله أنّ الفرصة أتیحت لك من دون مقاطعة كما طلبت، وسأعطی الكلمة مباشرة للأخ السید حسن الحسینی والأخوة هنا لیعلّقوا بتعلیقات مختصرة، وكنت فی البدایة قد وعدت الشیخ الحسینی بنصف ساعة ولكن نمنحه الآن ثلاث دقائق لیتحدث على شكل نقاط سریعة، ونعود إلیك ثمّ نواصل حدیثنا هنا فی الأستودیو.

اعتراضات الحسینی على كلامنا

الحسینی: بسم الله الرحمن الرحیم والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعین سیدنا وحبیبنا محمّد صلّى الله علیه واله وسلّم.

أیّها المسلمون سنّةً وشیعة، فی كلّ بلاد الإسلام، السلام علیكم ورحمة الله وبركاته.

سأدخل فی صلب الموضوع، فالسید القزوینی، اعتذر فی البدایة عن عدم إجادته للّغة العربیة، ولا شكّ أن عدم إجادته اللغة العربیة أثَّر علیه فی فهمه لبعض النصوص، هذا أولاً، وثانیاً: أنّ كون القضیة قدیمة، لا یعنی أنّها صحیحة، فهناك أشیاء كثیرة موجودة، لكنّها موروثات خاطئة.

كما أنّه قال: نحن فی المجالس الحسینیة لا نسبّ الصحابة، لا أدری أن الكلام الذی ذكرته الآن إن لم یكن شتماً وسباً للصحابة فلا أدری فوق ذلك ماذا یكون؟

أنت الآن قدمت دلیلاً عملیاً على شتمكم للصحابة ـ یعنی أبو بكر وعمرـ ثم بعد ذلك شتمت البخاری وطعنت فیه على الملأ، فهذا هو الدلیل العملی الذی نحن نقول به على شتم الشیعة للصحابة، وهو بلا شك یطعن بالوحدة الإسلامیة([51]).

الادعاء بأن أسانید كل روایات التهدید ضعیفة

ثم یا أخی، للأسف الشدید، فقد كنّا فی الیوم الأول، مع آیة الله الجناحی، ثمّ آیة الله الخزاعی، ثم مع الشمّری، والآن مع القزوینی، نحن لا نحتاج إلى كثرة الأعداد والأسماء، نحن نحتاج إلى روایة واحدة صحیحة. لا نرید تعدّد الروایات، نرید روایة واحدة صحیحة. لا أدری هل سؤالی صعب جداً بحیث أنكم لا تستطیعون أن تأتوا بروایة واحدة صحیحة مسندة، وأنا على یقین أنّك لم ترجع إلى الكتب التی ذكرتها([52]).

ادعاء الحسینی أن الشهرستانی قد ردّ على النظّام الذی ذكر الروایة

المشكلة هی أنّ كلّ الروایات التی ذكرتها من كتب أهل السنّة، أنا نسختها من الإنترنت، نفس هذه الروایات ذكرها أمس الشیخ الجناحی وقد رددنا علیه.

وهذا یدلّ على أنّك لم تقرأ، ولم ترجع إلى الكتاب نفسه الذی فیه الروایة، والدلیل على ذلك: ما ذكرت عن كتاب (الملل والنحل)، فالشهرستانی یردّ على هذه الروایة، ویردّ على النظّامیة الذین یقولون بهذه الضلالات، فتأتی أنت وتقول: إن الشهرستانی یقول بهذا الكلام([53]).

الهاشمی [مقاطعاً]: یعنی أنّ الشهرستانی ینقض على هذه الروایات، أی یردّها؟

الحسینی: الشهرستانی یرد على الفرقة النظّامیة، ویذكر أباطیلهم وضلالتهم، ومن ضلالتهم أنهم یقولون أنّ عمر فعل كذا وكذا، فأتى المدلّسون وأخذوا هذه الروایة من باب أجمع ثم أجمع ثم أجمع، ثم بعدها یقولون: قال: الطبری، وقال ابن شیبة، وقال فلان وقال علاّن، حتى یكثّروا الأدلّة، وكلّها ضعیفة موضوعة.

الهاشمی [معلقاً على كلام الحسینی]: مثلاً، الیوم إذا أرادوا أنْ یضربوا (جند السماء)([54]) فسیأتوا علیهم بروایات ملفقة، وإذا نزلوا على مقتدى الصدر جعلوه شیطان الشیاطین، وهكذا إذا توجهوا على كل أحد، یعنی یتغیر موقفهم بتغیر الظروف والأزمان([55]).

ادعاء الحسینی أن الذهبی قد ذم شیخه الجوینی

الحسینی: الشیء الغریب أن السید القزوینی یقول: إنّ الجوینی، واسمه الحقیقی محمّد بن مؤید بن حمویه الجوینی، هو شیخ الذهبی، ولكن ماذا قال الذهبی عن شیخه؟ قال: “كان حاطب لیل”.

یا سیّد: كان الجوینی حاطب لیل، جمع أحادیث ثنائیات وثلاثیات ورباعیات، من الأباطیل المكذوبة([56]).

اتّق الله عزّ وجلّ، نحن أمام ملایین الناس، تنقل روایات مكذوبة وغیر صحیحة، وتنشرها أمام الناس على أنّها موجودة، ثمّ تأتی وتقول: إنّنا لا نسبّ الصحابة، هذا أكبر دلیل على أنّكم تسبّون الصحابة([57]).

الهاشمی: هذه النقاط واضحة. الدكتور القزوینی، لك دقیقتان للرد على الحسینی.

جوابنا على كلام الحسینی

السیّد القزوینی: الأخ الحسینی یقول: بأنّ الروایة التی نقلها الجوینی موضوعة ومكذوبة، وأقول: إنّ الادعاء شیء وإثبات المدّعى شیء آخر، ثم هل من المنطقی أن یقول الذهبی فی حق أستاذه الجوینی: أنه حاطب لیل، هذا فی الوقت الذی یصفه فیه بأنه: “الإمام، المحدث، الأوحد، الأكمل، فخر الإسلام”([58]).

تصحیح سند روایات الهجوم على بیت الصدیقة الزهراء(علیها السلام)

وقد طلب منی الأخ الحسینی أن آتیه بروایة واحدة صحیحة حول إثبات قضیة الهجوم على بیت السیدة الصدیقة الزهراء(علیها السلام)، والروایات الصحیحة التی وردت بهذا الخصوص كثیرة، منها ـ على سبیل المثال لا الحصر ـ روایة للطبری وأخرى لابن أبی شیبة.

توثیق سند روایة الطبری

فی خصوص روایة الطبری والتی رواها فی تاریخه، فإنّ الراوی الأول فیها هو جریر بن عبد الحمید، والذی یقول فیه العجلی: “كوفیّ، ثقة”([59])، ویقول ابن سعد فی (الطبقات): “وكان ثقة كثیر العلم”([60]).

أمّا الراوی الثانی، فهو المغیرة بن مقسم الضبی، وهو ثقة فقیه، ذكر توثیقه ابن حجر العسقلانی فی (تهذیب التهذیب)([61])، والمزّی فی (تهذیب الكمال)([62]).

والراوی الثالث هو (ابن حمید)، وهو محمد بن حمید، أبو عبد الله الحافظ، وّثقه یحیى بن معین وابن أبی حاتم، كما ذكرت.

والراوی الرابع هو زیاد بن كلیب، وهو ثقة، ذكر توثیقه ابن حجر العسقلانی فی تقریب التذهیب([63]).

فالروایة إذن صحیحة وفق مبانی أهل السنة.

توثیق روایة ابن أبی شیبة([64])

أمّا روایة ابن أبی شیبة، فهی أیضاً روایة صحیحة السند، ولولا ضیق الوقت لنقلت تفاصیل توثیقات رجال سندها، ولكن أشیر فقط إلى أن محمد بن بشر، الراوی الأول، فهو ثقة بشهادة ابن حبان فی كتابه الثقات([65])، وكذلك الرازی فی(الجرح والتعدیل)([66]).

 وكذلك عبید الله بن عمر فهو ثقة، حیث وثّقه النسائی([67])، ومثله زید بن أسلم والذی وثّقه الذهبی فی(سیر أعلام النبلاء)([68])، وأسلم القریشی العدوی الذی وثقه العجلی وأبو زرعة([69]).

فهذه الروایة كذلك صحیحة السند على مبنى إخواننا أهل السنة([70]).

وهنا نطلب من فضیلة الأخ الحسینی أن یعالج هذه الروایة وأمثالها من الروایات، والتی ذكرت بأجمعها فی كتب أهل السنة، فكیف یدّعی بعدها أننا لم نأت بروایة صحیحة تثبت هذه الواقعة؟

تعلیق الدكتور (أبو شوارب) على ما أوردناه من أدلّة

الهاشمی: هذا الآن تعلیق سریع من الدكتور (أبو شوارب).

أبو شوارب: بسم الله الرحمن الرحیم، والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام على أشرف المرسلین، سیدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى یوم الدین خیر صلاة وأزكى سلام.

فی البدایة، لا بدّ من التأكید على هذا المطلب، والذی نادى به آیة الله القزوینی، رغم اختلاف المسالك بیننا، وهو ضرورة أنْ تتحد كلمة المسلمین فی كلّ مكان؛ ولكی تتّحد كلمةُ المسلمین، لا بدّ أن نتخلص من أحقاد الماضی ـ وهذا هدف من أهداف البرنامج الذی یُذكّر به الهاشمی فی كلّ حلقة ـ لا بدّ أن نتخلّص من هذه الأفكار، والتی یمكن لو تأملناها بعمق وبدقة، یمكن أن تكون مجموعة من الأباطیل التی وضعت فی التاریخ وعلى مراحل معینة؛ لتحقیق بعض المكاسب السیاسیة والاقتصادیة([71]).

أیضاً لا یمكن أن ننجرف فی اللحظة الراهنة وراء خطاب المقاومة، الذی ربّما یكون خطاباً ملفقاً([72])، لكی نتحدث عن أفكار ماتت منذ مئات السنین.

أمّا حینما نتحدث الیوم عن الولایة والحكم، وهی القضیة الأساسیة التی یقوم علیها المذهب الشیعی، والتی من أجلها نتشاجر ونختلف، والتی من أجلها یُطعن فی عدالة الصحابة (رضوان الله علیهم أجمعین)، هذه القضیة سقطت تماماً، فلم تعد الولایة فی آل البیت، ولم تعد حتى فی المراجع، فالآن یتم انتخاب سیاسیین لیدیروا شؤون الدول التی تلتزم بالمذهب الشیعی الإمامی، فاعتقد أنّنا فی حاجة إلى إعادة النظر فی القضیة برمتها([73]).

بإجمال: ما ذكره الشیخ محمّد القزوینی، فی أن القضیة لیست من مستجدات المذهب ولیست من اختراع المتأخرین، هذا صحیح، فهی مذكورة، ولكنها مخترعة حتى عند القدماء.

ولم تظهر هذه القضیة إلا مع ظهور كتاب سلیم بن قیس العامری الهلالی، وهو كتاب ینسب إلى مؤلف فی القرن الأول الهجری، فقد توفى سنة تسعین هجریة، ولكن أسانیده لم تظهر إلا فی القرن الرابع([74]).

وأیضاً قال: إنّ هذه المجالس لیست لشتم الصحابة، ولا نعیّن من قتلها [أی السیدة الزهراء]. وهذا صحیح فی المجالس الرسمیة، وأنت أشرت إلى مجلس السید القائد على الخامنئی (حفظه الله)، وهو بحكم مسؤولیته وبحكم قدره ومقامه الرفیع ربّما لا تذكر هذه الشتائم فی مجالسه الكریمة، لكن فی مجالس العامّة یحرصُ المراجع ورجال الدین على أن یذكّروا الحضور من أبناء الشیعة بهذه الأمور ([75]).

أیضاً، نحن نؤكّد أنّنا لم نسمع الآن، رغم هذا النص الجمیل البدیع الذی قرأته من نهج البلاغة للإمام علی، حیث یقول(علیه السلام): “لقد استرجعت الودیعة... وأمّا حزنی علیك فسرمد...” أن فیه دلالة على أنّها قتلت؟ أین الدلالة أنّها شهیدة؟ هذا الكلام یقوله أی رجل فقد امرأته وحزن علیها، وما بالنا والفقیدة هی فاطمة بنت محمّد (علیه الصلاة والسلام)؟([76]).

أیضاً، أشار إلى خبر آخر عن الحسین(علیه السلام) ورد فی كتاب (أصول الكافی)، الجزء الأول ص 458.

وأنا حقیقةً لی موقف من هذا الكتاب، فهو كتاب محشوّ بالأمور المتعارضة، مثلاً ـ لو سمحت لی یا دكتور محمدـ أنا سأضرب مثالاً صغیراً جدّاً عن تناقضه؛ ففی (أصول الكافی)، الجزء الأول، ص260، یقول: عن أبی عبد الله(علیه السلام) (أی الإمام جعفر الصادق) ـ یُنسب إلیه كذباًـ: إنی لا أعلم ما فی السماوات وما فی الأرض، وأعلم ما فی الجنّة وأعلم ما فی النار وأعلم ما كان وما یكون([77]).

وكذلك نقرأ فی الكتاب ذاته، فی الجزء الخامس والعشرین، ص284 روایة وردت عن سدیر، قال: كنت أنا وأبو بصیر ویحیى البزار وداود بن كثیر فی مجلس أبی عبد الله، إذ خرج إلینا وهو مغضب، فلما أخذ مجلسه قال: یا عجباً لأقوام یزعمون أننا نعلم الغیب، لا یعلم الغیب إلا الله (عز وجل) لقد هممت بضرب جاریتی فلانة فهربت منی فما علمت فی أی بیوت الدار هی؟

فكتاب الكافی رغم علو شأنه عند الشیعة إلا أنه یشتمل على كثیر من الأمور المتناقضة والمتعارضة([78]).

فكل الأخبار التی ذكرها الشیخ القزوینی من مصادر السنة، كلها تقریباً أوردوها فی معرض الرد علیها.

أمّا ابن تیمیة فكان فی معرض الرد على ابن المطهر الحلی، فی كتابه (منهاج الكرامة) فی كتاب منهاج السنة، فلیس إیرادها فی كتب السنة دلیل على أنّ علماء السنة یستشهدون بهذه القصة أو یعترفون بها([79]).

أمّا بالنسبة إلى مصنَّف ابن أبی شیبة، فهو أولاً: لا یورد الصحیح فقط، بل فیه الأحادیث والآثار الصحیحة والحسنة والضعیفة([80]).

وثانیاً: أنّ الخبر الذی فی مصنفه لم یشر من قریب أو من بعید إلى وقوع الجریمة، إنّما أشار إلى التهدید بالإحراق ([81]).

وثالثاً: وهذا أمر مهم جداً، وهو أن الراوی الأصیل للخبر، وهو أسلم مولى عمر بن الخطاب لم یشهد الواقعة ولم یكن حاضراً؛ لأن عمر بن الخطاب جلبه من مكة بعد حدوث هذه الواقعة، یعنی أنه كان فی مكة وقت بیعة الصدیق ووقت النزاع على فدك([82]).

جوابنا على كلام (أبو شوارب)

الهاشمی: تفضل یا سید القزوینی.

بعض كلمات المعاصرین الدالة على الهجوم

السید القزوینی: أشكر فضیلة الدكتور (أبو شوارب)، ولكنه، وللأسف، یُرسل الكلام على عواهنه من غیر رویّة، ویطلق التهم جزافاً من دون دلیل، من قبیل ما ذكره عن خطاب المقاومة، أو الأباطیل التی وُضِعت فی التاریخ، أو نقله لحدیث الإمام الصادق(علیه السلام) عن مسألة العلم بالغیب، كما أنّه یتعامل مع النصوص بانتقائیة عجیبة، كما فعل مع كلام أمیر المؤمنین عن السیدة الزهراء، وغیر ذلك مما ورد فی كلامه، ولا أرید التعلیق الآن على كلّ ذلك لضیق المقام، ولكن أورد الآن أقوال بعض من علماء أهل السنة المعاصرین، ممن یذهب إلى ما ذهبت إلیه الشیعة من حصول الهجوم على بیت السیدة الصدیقة الزهراء(علیها السلام):

الأستاذ محمد حسین هیكل

یقول محمد حسین هیكل ـ وهو أحد علماء أهل السنة المعاصرین، ومن أبرز كتاب وعلماء مصر ـ فی كتابه (الصدیق أبو بكر)، ما نصه: “فبلغ أبا بكر وعمر اجتماعهم بدار فاطمة فأتیا فی جماعة حتى هجموا على الدار...”([83]).

الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود

أمّا عبد الفتاح عبد المقصود، وهو من علماء أهل السنة المعاصرین أیضاً، فإنّه وبعد نقله لكلام عمر، والذی قال فیه: “والذی نفسی بیده لیخرجن أو لأحرقنها على من فیها، قیل: یا أبا حفص، إن فیها فاطمة! فقال: لا أبالی...”. قال: “وهل على ألسنة الناس عقال تمنعها من أن تروی قصة حطب أمر به ابن الخطاب فأحاط بدار فاطمة وفیها علی وصحبه لیكونوا عدة الإقناع أو عدة الإیقاع”([84]).

جواب الادعاء بأن كلّ علماء الشیعة یردّون كتاب سلیم بن قیس

وهذا الكلام، والمنقول من كتاب سلیم بن قیس، قد ذكره فی الحلقة الماضیة السید الهاشمی، وأشار فی حینها إلى أن هذا الكتاب موضوع ومكذوب، وهو كتاب غیر معتبر حتّى عند علماء الشیعة!

وللردّ على هذا الكلام، أقول: إنّ كتاب سلیم بن قیس هو من الكتب المعتبرة عند العدید من علماء الشیعة، ومنهم ـ على سبیل المثال ـ الشیخ النعمانی، صاحب كتاب (الغَیْبة) والذی یقول: “كتاب سلیم بن قیس من الأصول التی ترجع الشیعة إلیها، ویعوّل علیها”([85]).

وكذلك السید ابن طاووس حیث یقول فی كتابه (تحریر الطاووسی)، ما نصه: “تضمن الكتاب ما یشهد بشكره وصحة كتابه”([86]).

وممن قالوا بوثاقة صاحب الكتاب (سلیم بن قیس)، وصحة نسبة الكتاب إلیه:

 الشیخ محمد تقی المجلسی([87]) والعلامة المجلسی([88]) والشیخ الحرّ العاملی([89]) والمحدث البحرانی([90]) والشیخ القطیفی([91]) والشیخ المازندرانی([92]) والمحقق المامقانی([93])، وغیرهم.

الهاشمی: إذن أنت ترى أنّ كتاب سلیم بن قیس العامری كتاب معتمد لدى الشیعة، والكتاب كما تعرف فیه بعض الأمور العجیبة، وربما نعرض علیك نماذج منها بعد قلیل.

السید القزوینی: أمّا بالنسبة لی، وأنا من المتخصصین فی علم الرجال والدرایة، ولی بعض المؤلفات فی هذا المجال، فأرى ـ وكما ذكر السید الخوئی ـ أنّنا لا نعلم هل أنّ الكتاب الذی بین أیدینا هو نفس الكتاب الذی أعطاه سلیم بن قیس لأبان بن عیاش؟ وهل أنّه وبمرور الزمان قد زیدت بعض الأمور فی هذا الكتاب أم لا([94])؟ لأننا نعلم أنّ الكتاب الذی أعطاه سلیم بن قیس لأبان هو كتاب معتبر([95]).

الهاشمی: نحن هنا فی بریطانیا بلد العدل والحریة والدیمقراطیة إذا وقف شخص أمام قاضٍ بالمحكمة وثبت أنّ المصدر الذی یأخذ عنه فیه شك، كما تقول، لا یأخذون بكلامه مطلقاً ویطرحونه، وإذا كذب الشاهد مرة فوجدوا أنّه یقول روایتین مختلفتین فی موضوع واحد حذفوه وسقط، فلا یمكن أنْ یكسب قضیة فی بریطانیا مطلقاً.

أمّا فی بعض البلدان العربیة فلا نحتاج إلى محكمة، فالحاكم هناك یسیر على رغبة الرئیس أو المسؤول، لكن فی الدول الدیمقراطیة على العكس من ذلك، فإذا كانت هذه عقیدتك فی هذا الكتاب، فلا یمكن لك أن تستشهد به على الخزاعی أو الهاشمی! فما بالك أن تستشهد به على الرجل الذی أمر بنقل أنوار الإسلام إلى بلادك ونجح فی ذلك بتوفیق الله([96]).

كلام الهاشمی حول فتوحات عمر بن الخطاب

فعمر بن الخطاب، الذی لم یكتف بنقل الإسلام إلى بلاد فارس فقط ولكنه نقلها بتصمیم إلى بلاد الخزاعی(العراق)، ثم أردفها بالشام، ثم أشرقت بقراراته أنوار الإسلام فی بیت المقدس، ومنها إلى المحروسة أرض الكنانة أم الحضارات فی التاریخ ومنها إلى لیبیا، وكما قال السید المسیح(علیه السلام): “من ثمارهم تعرفونهم، إنك لا تجنی من الشوك عنباً، ولا من العنب شوكاً”. فلو كان هذا الرجل قاتل فاطمة أیحبه الناس كل ذلك الحب، ویُتقرب به إلى الله، ویفتح الله على یدیه كل تلك البلدان([97])؟

أترى، یا سید القزوینی، هل تصدر عن رجل تتهمونه بقتل الزهراء أنه یقول ــ وقد أمر بتعیین سعد بن أبی وقاص قائداً لجیوش الحریة، الجیوش التی أرادت تحریر المنطقة الشرقیة من الوطن العربی والإسلامی من الحكم الدكتاتوری القهری فی المنطقة، هذه من النصوص العجیبة الفریدة فی تاریخ الأمةـ “یا سعد، لا یغرنك من الله إن قیل خال رسول الله (صلى الله علیه وسلم) وصاحب رسول الله...” أی: إیاك أن تغتر؛ لأنّ الناس یقولون أنّك خال النبیّ(ص) وصاحبه، وهو الوحید الذی قال له النبیّ(ص) “إرم سعد، فداك أبی وأمّی” وذلك فی حرب أُحد؛ لما اشتدت الحرب واقترب المشركون من رسول الله(ص)، وكان سعد من الثابتین الذین صدوا عن رسول الله، قال: “فإنّ الله عزّ وجلّ لا یمحو السیئ بالسیئ ولكنّه یمحو السیئ بالحسن. فالناس شریفهم ووضیعهم فی ذات الله سواء، الله ربهم وهم عباده یتفاضلون بالعافیة ویدركون ما عنده بالطاعة، فانظر الأمر الذی رأیت النبی(ص) علیه منذ بعث إلى أن فارقنا فألزمه فإنه الأمر، هذه عظتی إیاك أن تركتها ورغبت عنها حبط عملك وكنت من الخاسرین”([98]).

رضی الله عن عمر بن الخطاب، ومعذرة سیدی أننا نضعك الیوم فی قفص الاتهام فی هذه القناة التی أملكها، ولكنی قدّرت أن طرح هذا الأمر خیر من أن تبقى الفتنة، ولكن قد یعترض الشیخ الخزاعی أو غیره من علماء الشیعة على قناة المستقلة، ویقول: لماذا توقظ هذا الأمر النائم؟ ولكننا نقول فی جوابه: أنّه ربّما حضر مجالس العزاء قبل أسبوعین ورأى فی القنوات الفضائیة الشیعیة كیف یُشتم الخلیفةُ عمر بن الخطاب وصاحب رسول الله(ص) فی الغار، وكیف یعلّمون الأولاد الصغار كراهةَ أصحاب رسول الله(ص)، ففی جهاز الكومبیوتر الذی أمامی طفل إیرانی صغیر وهو مملوء بالحقد على صحابة النبی(ص) ویبكی الناس من حوله، وهو یقول: ماذا فعلوا بالزهراء؟([99]).

یا سیدی یا بن الخطاب یا سیدی یا صاحب رسول الله بالغار.

الشیخ محمد الخزاعی [مقاطعاً]: هل یسمعونك حین تندبهم؟

الهاشمی: أنا أدیب وأتكلم بمجاز الأدباء، یا سیدی یا صاحب رسول الله(ص) بالغار([100]) إنما نفعل هذا لوأد الفتنة حتى یكف أهل الفتنة عن ترویج الفتنة([101])، وحتّى تظهر أعمالهم للناس، وإن كانت فیهم بقیة حیاء تركوا ما یقولون عنك وعن صاحبك، وان لم یفعلوا فعلى الأقل أكون قد ساهمت فی تبیان الحق فیعرفه الناس، ویعرفه مبغضو التعصب، ویعرفه الذین یفهمون الإسلام على أنه دین الحب لا دین الثأر، ودین التسامح لا دین الحقد([102])، ودین العفو، الذی أحتفى به رسول الله(ص) یوم انتصر وفتح مكة وحررها، وقال لأهلها: “اذهبوا فأنتم الطلقاء” أین هذا من ذاك؟ أین هذا من النصوص العجیبة التی تقول: إن لم تلعن عمر فأنت ملعون، وإن توقفت عن لعنه فأنت ملعون([103])؟

أین هذا مما ینسب إلى سیدنا الفارس الشجاع علی بن أبی طالب من أنه لیس فی حیاته إلا طلب السلطة، ولیس فی حیاته إلا ضرب الصحابة الذین كانوا معه فی الحروب، یهددهم ویشكو أمره وأمر زوجته([104]).

كأنه لیس هو الرجل الذی وضع روحه على كفه لیلة الهجرة وفی بدر وفی أحد وفی خیبر وفی كل مواقع رسول الله(ص)([105]).

أیها السادة، یا صحابة النبیّ(ص)، إنما هذا الأمر هو لوأد الفتنة ونشر ثقافة التسامح والسلام بین المسلمین ومحاصرة ثقافة الثأر والحقد([106]).

لم أرَ أمة فی العالم تدین بالثأر، سألت الیهود هل عندكم فی دیانتكم أن الثأر هو شعاركم؟ قالوا: كلا. سألت المسیحیین فی بریطانیا هل الثأر عندكم دیانة تتقربون بها إلى ربكم؟ قالوا: حاشا، إنما نزل المسیح لیخلص الناس...

فلماذا نحن فی الإسلام ندین الله بالحقد وضرب الرؤوس والتنادی بالثأر؟ لماذا ([107])؟

إلى متى أیها العلماء؟ اتقوا الله یا مدعی العلم فی كل الدنیا، انظروا إلى هذه الكتب التی بین أیدیكم: هل كل أفاك یضع كتاباً نحن نتدین به ونحتج به؟

الكلام الآن للشیخ محمد الخزاعی تفضل:

استدراك من الشیخ محمد الخزاعی على كلامنا

الشیخ الخزاعی: بسم الله الرحمن الرحیم، أُحیی الشعب العراقی العزیز، وكل إخوانی العرب والمسلمین مشاهدی قناة المستقلة الأعزاء، وأُحیی سماحة السید القزوینی وأشكره على تلبیة هذه الدعوة، فقد طلبت من هذه القناة أن تدعو الإخوة المتخصصین فی هذه العلوم لأن یتدخلوا فی هذه القضیة؛ لأنها قضیة مهمة، أما أنا فقد قلت من أول مرة: إن هذا لیس من اختصاصی، ولكن جئت وحصل ما حصل، وحسب تقدیری أن السید القزوینی قد ذكر كل الدلائل لكنه نسی موردین اثنین:

المورد الأول: جاء فی كتاب (العقد الفرید) لابن عبد ربه الأندلسی الجزء الرابع ص 247 أنّه قال: “الذین تخلفوا عن بیعة أبی بكر: علی والعباس والزبیر وسعد بن عبادة، فأمّا علیٌ والعباس والزبیر فقعدوا فی بیت فاطمة حتى بعث إلیهم أبو بكر عمر بن الخطاب؛ لیخرجوا من بیت فاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل عمر بقبس من نار على أن یضرم علیهم الدار، فلقیته فاطمة، فقالت: یا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟! قال: نعم أو تدخلوا فیما دخلت فیه الأمة، فخرج علی حتى دخل على أبی بكر فبایعه”.

أبو شوارب [مقاطعاً]: لم یحصل شیء من ذلك([108]).

محمد الخزاعی [مستنكراً]: نعم، لم یحصل شیء!!

الثانی: ما ورد فی كتاب (الإمامة والسیاسة) للإمام الفقیه أبی محمد عبد الله بن مسلم بن قتیبة الدینوری قال: “إن أبا بكر (رضی الله عنه) تفقد قوماً تخلفوا عن بیعته عند علی (كرم الله وجهه) فبعث إلیهم عمر فجاء فناداهم وهم فی دار علی، فأبوا أن یخرجوا فدعا بالحطب، وقال: والذی نفس عمر بیده لتخرجن أو لأحرقنها على من فیها، فقیل له: یا أبا حفص، أن فیها فاطمة، فقال: وإن وإن... فخرجوا فبایعوا إلا علیاً، فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبی على عاتقی حتى أجمع القرآن”([109]).

إخوتی المشاهدین! هنالك من الروایات تروی أنهم أحرقوا الباب وهنالك روایات تقول...

الهاشمی [مقاطعا]: من أحرق الباب؟ أنت قلت لنا هددوا... جمیع الروایات التی نقلتها نقلت التهدید فقط، أما الروایات التی تقول أن الخلیفة أحرق الباب فلا تأتی بها، حتى لا نتورط بترویج الأكاذیب الباطلة([110]).

أنه فی قناة المستقلة یأخذ الفرصة الكاملة لیتحدث ویناقش ثم یتهم واحد من أكبر زعماء الإنسانیة [یقصد عمر] من دون دلیل ومع ذلك یلومنی على مقاطعته... أنتهى اللقاء([111]).